راحوا يصوّبون سكاكينهم و خناجرهم إلى صدور المجرمين الساقطين في شباك العمالة و الخيانة بتخطيط متقنٍ و عمليات نوعية جريئة أثارت جنون اليهود و رفعت لواء عز الدين القسام في عزة و إباء ، فقد كانت المجموعة تخطف العميل و تحقّق معه مستفيدة مما لديه من معلومات و مسجّلة اعترافاته على أشرطة تسجيل كوثائق للإدانة و أدلة لا يمكن إنكارها، ثم تنفّذ فيه حكم الله إذا رفض التوبة ، و كان لهذه العمليات الناجحة وقع بالغ عند الجماهير لما لها من أثر واضح في تطهير المجتمع من العناصر الفاسدة التي سمّمتها المخابرات الصهيونية ، و ظلّ الناس يتابعون في شغف عمليات الكتائب التطهيرية في غزة و جباليا و الشيخ رضوان و مخيّم الشاطىء ، و كم كان استغرابهم عندما يسارعون إلى مكان الاختطاف أو إعدام العميل إن كان من الخطرين أو المعروفين بشكلٍ جليٍّ لا لبس فيه ، فلا يجدون المجاهدين و كأنهم تبخّروا في الجو .
و بدأت رحلة المطاردة :
في ليلة معتمة كان المجاهدان مجدي حماد و محسن العايدي على موعد مع القدر ، فقد وقع المجاهدان في الأسر أثناء محاولتهما عبور خط الحدود الدولية بين فلسطين المحتلة و مصر بالقرب من مدينة رفح في السادس و العشرين من كانون أول (ديسمبر) 1991 ، ليرسلا فوراً إلى قلعة الأبطال (سجن سرايا غزة) حيث يمارس التعذيب البشع و الحرب النفسية و الإرهابية ضد المجاهدين البطلين حتى تبدأ الصفحة المختفية في الظهور و تبرز الكلمات و الخطوط و الأسماء أمام عيون الجلادين الصهاينة ، فاضطر المجاهد مجدي تحت هذا التعذيب إلى الكشف عن أسماء أعضاء مجموعة (الشهداء) التي كان عضواً فيها ، منذ ذلك التاريخ أصبح شهيدنا البطل مطلوباً لقوات الاحتلال و أجهزة مخابراتها و وحداتها الخاصة و المستعربة ..
لكن شهيدنا الذي هزم الخوف منذ أن بايع على الشهادة راح يواجه واقعه الجديد بشجاعةٍ و إقدام ، و إذا كان مجدي - فكّالله أسره - قد اضطر إلى الاعتراف بأن (عماد عقل) هو ضابط اتصال المجموعة ، فإن الشهيد القائد لم يرتعب و لم يضعف ، بل زاده هذا الأمر شجاعة و فرض عليه في نفس الوقت أن يظلّ على أهبة الاستعداد يحمِل روحه على كفّه و بندقيته على كتفه ، فقد عزم على الجهاد حتى الشهادة و رفض أن ينسحِب من الميدان و يخرج خارج الوطن و بقي وفياً لقسمه ، إذ نقِل عنه - رحمه الله - عند بداية مطاردته قوله : "من الآن فصاعداً فأنا مطارد للاحتلال و عليه سوف أذيقهم العلقم بإذن الله" .
حياة المطاردة :
عاش شهيدنا البطل مع إخوانه الخمسة المطاردين (محمد أبو عطايا ، محمد عياش ، محمد حرز ، طلال نصار ، بشير حماد) حياة الأخوة بمعناها الحقيقي ، و ممّا يسجل للشهيد ما يرويه أحد الإخوة المجاهدين الذين عرفوه ، إذ يقول هذا الأخ: "في أحد مكامنه كنت و أحد الإخوة معه فقمنا نصلّي ، ففضّل البقاء في حراستنا ثم صلّى بعد ذلك حتى لا نؤخذ على حين غرة ، كان خلال ذلك يحرث الغرفة جيئة و ذهاباً و كأنه يفكّر في أمر يشغله ، وضع بعدها لنا الطعام فما يتناول سوى لقيمات قائلاً (لا أريد الإكثار حتى لا أتثاقل إلى الأرض فيشغلني ذلك عن مقارعة أعداء الله)" .
ضاقت مدينة غزة بمطاردي مجموعة الشهداء ، فقد انضم عشرة أخوة مجاهدين من (كتائب الشهيد عز الدين القسام) إلى قائمة المطاردين الجدد ، و الخوف من أعمال التمشيط العسكري للبيّارات و الملاجىء و المنازل أصبح هاجساً يتملّك المطاردين في هذه البقعة الصغيرة ، إلى جانب شحّ السلاح في ذلك الوقت .
الإنتقال للضفة :
و أمام هذا الوضـع الجديد ، و حفاظاً على الإخوة المطاردين و توفيراً للجهد المضني في توفير الملجأ ، و تسهيل الحركة لهذه الأعداد تم التخطيط لخروج مطاردي (مجموعة الشهداء) من قطاع غزة و الانتقال إلى الضفـة الغربية حيث تم تشكيل الجهاز العسكري لحركة حماس هناك و حمل أيضاً اسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) أسوة بما هو معمول به في قطاع غزة .
و كذلك جاء اختيار مجموعة الشهداء الانتقال إلى الضفة الغربية اختياراً موفقاً ، فقد خفّف الانتقال العبء عن قطاع غزة من جانب و أعطى دفعة قوة للضفة الغربية بتكوين الخلايا المسلحة التابعة لكتائب القسام من جهة أخرى .
و قبل الانتقال مع مجموعة الشهداء إلى الضفة الغربية ، لا بدّ من الوقوف مع الحدث البارز في سجل عماد عقل في تلك الفترة ، ألا و هو أول عملية عسكرية له ضد جنود الاحتلال ، ففي الرابع من آيار (مايو) 1992م أطلق عماد عقل رصاصه القسامي مستخدماً بندقية كارلو غوستاف ضد قائد الشرطة في قطاع غزة الجنرال (يوسي آفني) بعد أن أوقعته المجموعة في كمين نصبته له عند مفترق الشيخ (عجلين) ، غير أن العملية لم تسفر إلا عن إصابة سيارة (الشاباك) المرافقة له .
انتقل الشهيد (عماد عقل) عن طريق حاجز إيرز و هو المعبر الوحيد الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية في الثاني و العشرين من آيار (مايو) 1992 ، و استقر في مدينة القدس ، و ما هي إلا أيام قليلة حتى تبع الشهيد إلى القدس و بنفس الطريقة بقية أفراد المجموعة حيث تم استئجار شقتين آخريين في رام الله .
و بعد أن اكتمل عقد المجموعة تم ترتيب اتصال مجموعة الشهداء بمسؤول (كتائب عز الدين القسام) في الضفة الغربية حيث طلبت المجموعة تزويدها بالسلاح الحديث .
ضربة صعبة :
و في هذه الأثناء بدأت المجموعة التخطيط لتنفيذ عملية في قلب مدينة القدس تكون بمثابة الثأر للمجزرة الوحشية التي ارتكبتها قوات حرس الحدود الصهيوني في ساحة المسجد الأقصى قبل أكثر من عامٍ و نصف ، و لكن لا رادّ لقضاء الله و قدره ، فقد تعرّضت المجموعة لأكبر هزة تصيبها بعد انتقالها للضفة الغربية ، إذ اعتقل المجاهدون (محمد أبو العطايا ، و محمد أبو عايش و محمد حرز) في مساء يوم الأربعاء 29 يوليو (تموز) 1992 في إحدى الشقق التي استأجرتها المجموعة في رام الله بعد عمليات رصد مكثّفة من قبل أجهزة المخابرات الصهيونية التي فقدت أثر هؤلاء المجاهدين في قطاع غزة ، فكان لون بشرة (أبو عايش) و اعتراف بعض الشباب في القطاع عن وجودهم في الضفة الغربية طرفي الخيط في تكثيف عمليات المتابعة لهم في الضفة الغربية .
الضربة القاسية التي تلقّتها (كتائب الشهيد عز الدين القسام) باعتقال ثلاثة من خيرة مجاهديها شكلت بداية النهاية لعمل مجموعة الشهداء أو من تبقّى من المجموعة كوحدة واحدة ، فبعد أن تمّت مراسلة القيادة في قطاع غزة و قدوم من أعاد ربطهم بكتائب عزّ الدين القسام في الضفة العربية إثر انقطاع الاتصال في أعقـاب مداهمة العدو للشقة في رام الله ، انتقل (عماد عقل) و أخواه (طلال نصار و بشير حماد) إلى مدينة خليل الرحمن حيث تم تزويدهم بالأسلحة الرشاشة و المسدسات استعداداً لبدء مرحلة جديدة من جهاد المجموعة .
شهدت مدينة خليل الرحمن نهاية عهد مجموعة الشهداء كوحدة عمل واحدة ، إذ طلب من (عماد عقل) البقاء في المدينة وتولي مسؤولية القائد العسكري للعمليات في منطقة الخليل في حين نُقل الأخوان الآخران إلى مدينة نابلس لترتيب أوضاع المطاردين هناك ، فضمّ الشهيد القائد عماد عقل بندقيته إليه و قبض عليها بكلتا يديه ليكتب قصة المجد و الجهاد عبر خطوات القسام الأولى في مدينة الخليل .