سراج الأقصى المدير العام
عدد المساهمات : 1218 نقاط : 1731 تاريخ التسجيل : 18/05/2009
| موضوع: خيارات (إسرائيل) المستقبليَّة تجاه حماس الإثنين نوفمبر 01, 2010 12:19 pm | |
| صالح النعامي
صدَرتْ عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤشِّرات متضاربة بشأن توجُّهات حكومته بخصوص صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس وإمكانيَّة توجيه ضربة عسكريَّة لقطاع غزة، فقد اختار نتنياهو أن يعلن عن استئناف الجهود الهادفة للتوصُّل لصفقة تبادل أسرى، وسمح لقادة جيشِه ومستويات سياسيَّة أخرى بعقْد لقاء مع أسرى حركة حماس في السجون الإسرائيليَّة، علاوةً على أن معظم التسريبات التي تحدَّثَت عن حدوث تقدُّم في صفقة تبادل الأسرى هي تسريبات إسرائيليَّة.
لكن في الواقع لا يوجد ثَمَّة مؤشِّرات على حدوث تغيير حقيقي في مواقف نتنياهو وحكومتِه يسمح بحدوث تقدم، حيث إن "إسرائيل" تصرُّ حتى الآن على إبعاد جميع الأسرى من الضفة الغربيَّة إما لقطاع غزة أو للخارج، في حين ترفض الإفراج عن خمسة عشر أسيرًا تصفُهم بأنهم يمثِّلون "رموزًا" للمقاومة، ومما يعزِّز مواصلة "إسرائيل" تعنُّتَها في كلِّ ما يتعلق بقضية تبادل الأسرى هو عدم وجود رأي عام إسرائيلي ضاغط على حكومة نتنياهو، فلم تعدْ عائلة الجندي الإسرائيلي المختطَف جلعاد شاليط قادرةً على تجنيد إلا بعض العشرات من المتضامنين الذين باتوا يائسين، إلى جانب ذلك فإن الكثير من النُّخَب الإسرائيليَّة وتحديدًا النخب الإعلاميَّة أخذت توجِّه انتقادات حادَّة لهذه العائلة وتتهمها بأنها تعمل على المسّ بمصالح "إسرائيل" الأمنيَّة.
ولكي تزداد الأمور تعقيدًا فقد ألمحَ نتنياهو في أكثر من مناسبة إلى إمكانيَّة توجيه ضربة عسكريَّة للقطاع، عندما تحدَّث عما أسماه خطر الصواريخ المضادَّة للطائرات التي تَمَّ نصبُها في قطاع غزة -وباتت بزعمه- تهدِّد الطائرات التي تستعدُّ للإقلاع أو الهبوط في مطار بن جوريون، علاوةً على تهديدِها الطيران الحربي في محيط القطاع، وقد تحدَّث نتنياهو عن الحاجة لتوفير ردّ على هذا التهديد، صحيح أن نتيناهو لم يتحدثْ بشكل مباشر وصريح عن عمل عسكري ضد قطاع غزة، إلا أنه عندما يختار أن يتحدَّث عن خطر تهديد الطيران الحربي والملاحة المدنيَّة أمام أعضاء كتلة حزبه البرلمانيَّة فإنه في الواقع يلتزم بعمل شيء ما ضد ما يعتبره خطرًا كبيرًا، فبعد تشكيل لجنة "فينوجراد" التي حقَّقت في أسباب القصور في حرب لبنان ثانيةً، فإنه لا يمكن لصانع القرار في "إسرائيل" ألا يتحرَّك ضدّ ما يعتبره مصدر خطر على "إسرائيل".
ومع ذلك فهل يمكن فهم تصريح نتنياهو الذي ينضمُّ لعددٍ من التهديدات المباشرة وغير المباشرة على أنه توجُّه حقيقي نحو شنّ عمل عسكري جديد على القطاع، وكيف يمكن فهم هذه التصريحات في ظلّ الحديث عن صفقة تبادل أسرَى؟
إن اختبار استعداد "إسرائيل" لشنّ عملٍ عسكري ما على قطاع غزة يتوقَّف بشكلٍ أساسي على طبيعة هذا العمل، فإن كان المقصود هو شنّ عمل عسكري كبير على غرار الحرب الأخيرة على القطاع، فإن العديد من المؤشِّرات لا تصبُّ في هذا الاتجاه؛ "فإسرائيل" قد تتجهُ لشنّ مثل هذه الحرب فقط في حال استئناف عمليَّات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على المستوطنات اليهوديَّة داخل "إسرائيل" وعلى نطاق واسع، أو في حال تمكَّنت المقاومة من تنفيذ عمليَّات ناجحة عبر الحدود، مثل اختطاف الجنود مثلًا، مع العلم أنه قد حدث تراجع على حدَّة إطلاق القذائف الصاروخيَّة من قطاع غزة إلى "إسرائيل" في الآونة الأخيرة بشكل واضح، من ناحيةٍ ثانية فإن قادة الجيش الإسرائيلي يعلنون أن أهم نتيجة أسفرت عنها الحرب الأخيرة هو تحقيق الرد في مواجهة حركات المقاومة في قطاع غزة، وبالتالي فإن شنّ عمل عسكري حاليًا سيعملُ على تآكل ما راكمَتْه "إسرائيل" من ردْع لأنه سيدفع المقاومة لإطلاق عدد كبير من القذائف الصاروخيَّة التي قد تستهدفُ مناطق حسَّاسة وسط وجنوب فلسطين المحتلة عام 1948.
من ناحيةٍ ثانية فإن كل المؤشِّرات أن المجتمع الدولي لا زال متأثرًا إلى حدٍّ كبير بكل بما أسفرت عنه الحرب الإجراميَّة الأخيرة من فظائع ضدّ المدنيين الفلسطينيين، وبالتالي فإن "إسرائيل" تدرك أن الجرائم التي اقترفتها خلال الحرب وما أعقبها من تداعيات، لا سيَّما تقرير جولدستون لا زالت ماثلة، وفي "إسرائيل" يدركون حجم الضرر الذي مسّ مكانة "إسرائيل" جراء هذه التداعيات، ومما لا شكّ فيه أن تعثُّر المفاوضات المباشرة مع السلطة يصعب مهمة شن عمل عسكري واسع على قطاع غزة، فمن الصعب على "إسرائيل" تسويغ الحرب بأنها تشنّ ضدّ جهة تحبط فرص التسوية في المنطقة، كما زعمت عشيَّة وخلال الحرب الأخيرة على القطاع، فباستثناء الولايات المتحدة، فإن هناك إجماعًا داخل دول العالم على أن "إسرائيل" تتحمَّل المسئوليَّة عن الطريق المسدود التي وصلت إليه المفاوضات.
إذن كيف يمكن فهم التصريحات الإسرائيليَّة المتعلِّقة بشأن صفقة تبادل الأسرى والتلميحات بشأن عملٍ عسكري ضد غزة؟
هناك علاقة بين هذه التصريحات وإن بدتْ متناقضةً، فالتلميح بشنّ حرب على القطاع يمكن أن يمثِّل محاولةً للضغط على حركة حماس بأن تتراجع عن مواقفها السابقة بشأن الصفقة، ولسان حال نتنياهو يقول: لن يكون هناك جمود، فإما صفقة وإما ضربة عسكريَّة جديدة، وفي هذه الحالة لا يقصد نتنياهو تنفيذ تهديداتِه المبطَّنة.
وهناك احتمالٌ أن يكون نتنياهو مستعدًّا لتنفيذ عمل عسكري محدود جدًّا من أجل تحسين مكانة "إسرائيل" في المفاوضات غير المباشرة على الصفقة، كأن تحاول "إسرائيل" تنفيذ عمليَّات اختطاف لعددٍ من قادة المستوى السياسي والعسكري في حركة حماس من أجل إرغام الحركة على القبول بموقفها من الصفْقة.
لقد تبيَّن من تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني أنه من الخطيئة توقُّع السلوك الإسرائيلي بناءً فقط على تصريحات قادتِه، فبناء تصوُّرات واقعيَّة بشأن السلوك الإسرائيلي يتوقَّف على مركَّبات البيئة الإستراتيجية والعسكريَّة والسياسيَّة الداخليَّة والإقليميَّة والعالميَّة. | |
|