بسم الله الرحمن الرحيم
حين رأيتها أول مرة تعجبت من هيئتها ... خمار كبير وجلباب يسترها حق الستر ... والكل يطل من بينهما وجه أشقر بعيون شديدة الزرقة وملامح أهل الشمال
فلما تكلمت تأكدت من تشخيصي ... كانت أجنبية من مكان ما ...وبالطبع مسلمة
تقاربنا وتحادثنا وأحببتها في الله من قلبي ... فقد كان فيها طفولة وبراءة وطيبة قلب قلّما تجدهم في امرأة تخطت الخامسة والأربعين واعتدنا الجلوس معاً نتشارك الطعام والحوار فعرفت أنها هولندية الأصل ... وأنها أسلمت من فترة ليست بالقصيرة
.... وفي أحد الأيام سألتها كيف أسلمت ؟؟ ولماذا ؟ فقالت:
لقد تربيت في بيت مسيحي متدين .. وكنت أنا أيضاً متدينة جداً ..لدرجة أنني فكرت أن ألتحق بالدير وأتحول إلى راهبة لخدمة ديني ... ولم أكن أعرف أن في العالم شئ اسمه إسلام أو مسلمون ... وذلك لإننا كنّا نعيش في بلدة صغيرة ولم يكن فيها أجانب فلمّا أنهيت دراستي الثانوية توجهت إلى مدينة كبرى للعمل ... وعملت كمدرسة في إحدى المدارس وهناك وجدت أبناء بعض الجاليات المسلمة وبدأت أسمع عنهم وعن دينهم ..فأصبحوا بالنسبة لي رغم كونهم هولنديين مجرد أشخاص مختلفة يعتنقوا مبادئ ظالمة .... يريدون أن يقتلوا العالم كله ليصبح مثلهم يركب الجمال ويتزوج الرجل فيه بأربع نساء
وكنت إلى جانب العمل قد التحقت بالجامعة لأدرس .. وهناك تعرفت على زميل مصري ... بادرني هو بالحديث وحاول أن يتقرب مني ...كان لطيفاً ....ودوداً ... مجاملاً .....دائم الابتسام فارتحت إليه وقبلت أن نكون أصدقاء وكانت المفاجأة حين عرفت أنه مسلم .... لم تكن هذه هي صورة الرجل المسلم في رأسي .... ولكني قلت في نفسي لعله هو المختلف
كانت زمالتنا على خير مايرام وقد فهمت فيما بعد أنه لم يكن مسلماً ملتزماً ... فقد كان يشبه كل معارفي من الهولنديين ... يشرب ويرقص .... ولكنه كان يفعل شيئاً واحداً مختلفاً .... كان يصلي .. وكنت أراه يسجد إلى الأرض وحين يعتدل كنت أرى على وجهه شئ لم يكن يظهر إلا في هذه اللحظة
ثم خطبني شاب يهودي من معارفنا وقبلت به ... وتعلقت به جداً حتى أني فكرت في تغيير ديانتي إلى اليهودية وارتديت النجمة على صدري ... وكنت فرحة جداً حين دعاني للذهاب معه إلى إسرائيل لزيارة أقاربه والصلاة عند حائط المبكى ..... حين ذهبت إلى هناك وبدأنا نتجول في المدينة القديمة كنت مبهورة بالآثار الدينية .... ورأيت المسجد لأول مرة في حياتي وعرفت أن هذا هو بيت العبادة للمسلمين وسمعت الآذان .... وأعجبتني النغمة وهزتني .. ولكني تصورت أن المسألة كلها مرتبطة بحبي الفطري للموسيقى والنغمات الهادئة
وحدثت حادثة قد يعتبرها البعض تافهة ولكنها كان مفرق هام جدا في حياتي ... فأثناء سيري في البلدة القديمة رأيت مجموعة من الشباب الإسرائيلي يتحرشون بفتيات مسلمات فلسطينيات لمنعهن من دخول المسجد ... فقفز إلى ذهني لحظتها هذه الجملة : هذا دين أنا لا أتشرف بالانتماء إليه.. فمهما تكن العداوة لا يصح ولا يجوز أن يستغل الشاب قوته ليضايق فتاة خاصة إذا كانت تسير في حالها مغطاة بالكامل ولا يبدو عليها أي عدوانية ...فخلعت النجمة وبدأت المشاكل مع خطيبي ... ثم انفصلنا
لم يكن طبيعياً أن أقبل الزواج من زميلي المسلم المصري ولكن حنانه ومساندته لي نفسياً وذهنياً أثناء الفترة العصيبة التي تلت فسخ ارتباطي جعلتني أقبل ... وجئت معه إلى القاهرة ... ورأيت ألاف المساجد وملايين المسلمين وبدأت أتعرف عليهم ... وعرفت أن زوجي ليس مسلماً مثالياً .... وأن هناك أشكال مختلفة ومستويات مختلفة وشخصيات مختلفة ولكن كلها لم تكن تركب الجمال ولم تتزوج أربع نساء والأهم من ذلك لم يكونوا يريدون قتلي أنا أو غيري ... بل وجدتهم مضيافين أكثر مما تحتمل المواقف
وظل زوجي على حاله ..يشرب الخمر .. ويسهر ويرقص ... وأنا لا يهمني كثيراً ما يفعل بالعكس كان يشعرني بعدم الغربة.... إلا في مسألة الصلاة .... وخاصة السجود ...
لم أكن قد جربت السجود إلى الأرض أو سمعت عنه من قبل ... ولكني كنت أعرف أن الرهبان في الدير حين يصلوا إلى قمة القرب من الله يسجدون على الأرض .... فظلت تراودني رغبة في أن أفعل مثل ذلك ... وفي أحد الأيام وبعد أن خرج زوجي ... فردت سجادة الصلاة .... ووضعت وجهي كله على الأرض كما أراه يفعل ... وبدأت أحاول التركيز في أي شئ ..... ووجدتني بلا وعى أنادي oh god ! oh god !
هل حدث ما أخرجني من الزمان والمكان ؟؟؟ هل حملتني الملائكة ؟؟ هل ؟ هل ؟؟ لا أعرف .. كل ما أعرفه أني رأيت كل أنوار الكون حولي تغمرني ... ...... ويبدو أني ظللت لفترة طويلة على حالي فأنا لم أشعر بزوجي إلا وهو فوق رأسي يناديني ... متى أسلمتي يا صوفي ؟؟؟ ماذا تفعلين ؟؟ من علمك الصلاة ؟؟؟
حين نطقت الشهادتين في الأزهر وبدأت في دراسة الإسلام أخذت أعلّمه وأتلو عليه ما حرّم ربي .... ونتعاون أن نستقيم معاً على الصراط الحق ..... وحين كان يريد أن يتملص من الطاعة كان يقول لي :
أنا مولود مسلم ولم أختر أن أكون كذلك ولم أرَ ما يساعدني ..... فبشويش علي حكمت..
وهذا اسمي بعد الإسلام وعلى فكرة هو اسمي قبله أيضا مع اختلاف اللغة.
د.نعمت عوض الله
كاتب ومستشار اجتماعي وتربوي